الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية شهادات حيّة عن جريمة التعذيب في تونس

نشر في  09 سبتمبر 2015  (11:33)

لا يختلف اثنان في كون التعذيب داخل بعض مراكز الايقاف في عهد بن علي كان سنّة غير حميدة دأب على تنفيذها من مثلوا ولسنوات طوال العصا الغليظة في يدّ السلطة، لكن ما يستوجب حقا الوقوف عنده اليوم والاستفسار هو: هل مازالت ظاهرة التعذيب وخاصة ممارسات العنف المادي والمعنوي موجودة في تونس خاصة ببعض مراكز الايقاف، وهل نجحت فعلا الثورة التونسية في وضع خطّ أحمر لجرائم التعذيب أم أن دار لقمان  ظلت على حالها؟.. ووفق ما تشير إليه تقارير المنظمات الحقوقية والناشطة في المجال حقوق الانسان، فان التعذيب داخل مراكز الايقاف مازال متواصلا وهو ما تؤكده على سبيل المثال المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في تقاريرها الشهرية والتي تنشرها للعموم..

أخبار الجمهورية بحثت في هذا الملف الشائك وذلك انطلاقا من شريط وثائقي قصير أنجزته جمعية «فورزا تونس» بعنوان «اتفرجوا فينا» والذي يظهر شهادات لعدد من الشباب أكدوا تعرضهم إلى التعذيب بمراكز الإيقاف، وقد أثار هذا الشريط ضجة في الأوساط الحقوقية التى رأت فيه تواصلا لممارسات قمعية، حيث دعت كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفيدرالية التونسيين من أجل المواطنة بين الضفتين ومنظمة 23 10 لدعم مسار الانتقال الديمقراطي، دعت جميعها الى فتح تحقيق في هذه الشهادات واعتبرت تواصل مثل هذه الممارسات دليلا على عدم الجدية في مواجهة هذا الموروث الثقيل وغياب مقاربة شاملة لإنهاء ثقافة التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة وتجاوز سلطة القانون وطالبت بمحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه الممارسات المهينة وإنصاف الضحايا حتى لا يصبح الإفلات من العقاب أمرا واقعا.

معاناة «عبيريقا» بين بوشوشة والقرجاني

من بين الذين ادلوا بشهادتهم في شريط «اتفرجوا فينا» نذكر الشاب صفوان أو «عبيريقا» كما دأب أولاد حمام الأنف على تسميته. أخبار الجمهورية تمكنت من الحصول على شهادة صفوان، الذي أكد أنه تم القاء القبض عليه بتهمة المشاركة في السرقة رغم كونه بريئا من التهمة المنسوبة اليه على حدّ تعبيره، وأن الأعوان ألقوا القبض عليه لمجرد علاقة الصداقة التي تجمعه بالسارق الحقيقي، مضيفا أنه ظلّ في الايقاف مدة 6 أيام ليتم الافراج عنه بعد القبض على المتهم الثاني، وأكد صفوان أنه وخلال فترة ايقافة عمد الأعوان الى نقله يوميا من بوشوشة الى القرجاني حيث تمّ استنطاقه، وهناك وحسب تصريحه تعرض الى شتى أنواع الضرب والتنكيل الى حدّ الاغماء في أكثر من مناسبة، وذكر صفوان أن الأعوان يعمدون بمناسبة ودونها الى شتم والدته وتوجيه عبارات لاأخلاقية، مؤكدا أنه لو تم الاحتفاظ به ليوم آخر كان سيعترف بجريمة لم يرتكبها وذلك نتيجة الضرب والتعذيب حيث عمد بعض الأعوان الى تعليقه بملابسه الداخلية وتعنيفه بواسطة ّكوابل» كهربائية.
وأكد «عبيريقا» أن هناك من الموقوفين من تعرض للضرب بواسطة القضبان الحديدية والهراوات في أماكن حساسة من أجسادهم، مضيفا أن الايقاف يمر بمراحل من الاهانة والشتم والعنف اللفظي الى اقتلاع الاعترافات باستعمال العنف المادي وخاصة الضرب الشديد.
وختم محدثنا كلامه بافادتنا أن تعذيبه لم يقتصر على الضرب، حيث طالب الأعوان من والدته مبلغا قدره الف و500 دينار مقابل اطلاق سراحه، مضيفا أنه وباجبار والدته على عدم دفع المبلغ لأنه بريء ناله من الأعوان شتى انواع الضرب على حدّ تعبيره، وذلك قبل اطلاق سراحه .

300 شكاية تسلمتها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في 2014

ويشار الى أنّ المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تسلمت 300 شكاية في التعذيب سنة 2014 وذلك حسب ما اكدته رئيسة المنظمة راضية النصراوي التي ذكرت ان التعذيب وسوء المعاملة متواصلان بعد الثورة
وفي تقريرها الشهري الخاص بشهر جويلية وأوت 2015 ، أعلنت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وجود حالات انتهاكات داخل المراكز الأمنية والتي سنوردها عليكم وهي مجرد عينات تمكنا من الحصول عليها.

مكرم التوتي : خلع في الكتف وأضرار على مستوى الرأس

حسب شهادة عائلته التي سلمتها الى المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب فان مكرم التوتي تم ايقافه خلال شهر جويلية 2015 ونقل إلى منطقة الأمن بالقرجاني حيث تعرض إلى الضرب المبرح أمام أفراد من عائلته مما نتج عنه خلع بكتفه الأيسر وأضرار على مستوى الرأس والساق اليسرى كما تعرض شقيقه إلى الضرب بالعصيّ على مستوى ظهره، ولم تسلم خطيبة مكرم من التعنيف وذلك بغرض إجبارهما على الشهادة ضده في قضية سرقة.

أحمد النفطي: التعذيب سبب له ضعفا كبيرا في البصر

 خلال شهر أوت 2015 اتصلت بالمنظمة عائلة السجين أحمد النفطي وذكرت أنه يعاني ضعفا كبيرا في البصر على مستوي عينه اليمنى ومخلفات حادة على مستوى الكتف وذلك نتيجة تعرضه إلى التعذيب منتصف شهر جوان 2012 بمركز الحرس الوطني بشباو في منوبة إثر إيقافه على ذمة قضية جزائية.
وحسب العائلة فانه أثناء البحث الابتدائي تم جرّ أحمد على الأرض وتقييد يديه إلى حلقتين بالجدار وضربه بعصيّ بصفة متواصلة على مستوى الكتفين مما ألحق بهما أضرارا جسيمة، كما تعرض إلى التعنيف على مستوى عينه اليمنى.

أكرم لاغه: ماتراك وغاز وتهديد بتلفيق تهمة كيدية

من بين الحالات التي رصدناها من قبل المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب حالة أكرم لاغة، حيث وعلى اثر خلاف حصل بين هذا الأخير وعون أمن يوم 9 جويلية 2015 أمام منزل الأوّل والكائن بباب البحر قابس بسبب رفض العون المذكور تحويل سيّارته الراسية أمام منزل أكرم، نزل عونان من السيارة الإداريّة وحاولا إيقافه باستعمال القوّة ثمّ حضر عون ثالث وأصابه بـ«ماتراك» على الرّأس ورشّ الغاز على فمه ثمّ أُدخله سيّارة الشرطة بالقوّة حيث انهال عليه الأعوان الثلاثة ضربا على كامل أنحاء جسمه، كما أصابه أحد الأعوان بعقب «شطاير» على عينه ممّا تسبّب في سيلان الدّم منها.
وبالوصول إلى منطقة الأمن بباب البحر، تمّ جرّه وهو مقيّد اليدين وأُسقط أرضا، ثمّ أدخل إلى ساحة وهناك تعرّض إلى سلسلة جديدة من الإعتداءات (مشطة، سحب من الشعر وتقليعه، ضرب على مستوى الجهاز التناسلي...) علاوة على الكلام البذيء والمهين، وفي الأثناء تمّ تهديد أكرم بتلفيق قضيّة إرهابيّة ضدّه، حسب ما جاء في تقرير المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب.
وبسبب الإعتداء تعرّض أكرم لتشوّهات كثيرة بالوجه وبعدّة أنحاء من جسمه وهو يعاني من أضرار بالضلوع و الأذن والرّأس والرّجلين والخصيتين وقد مُنح راحة قدرها 21 يوما من المستشفى العسكري بقابس. وراحة طبّية بـ31 يوما من طبيب خاصّ مختصّ في علاج الأذن.

أشرف يتعرض للضرب بسبب شقيقه المتهم في قضية ارهابية

وحسب ما جاء في تقارير المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، فانه وبسبب التّفتيش عن شاب يدعى  شمس الدّين السّندي، تعرّض منزل عائلة عبد الرّحمان السّندي إلى عديد المداهمات الأمنيّة اللّيليّة وبتاريخ 08 جويلية 2015 تمّ إيقاف شقيقي شمس الدين وهما أشرف البالغ من العمر 24 سنة وأنور وعمره 20 سنة وتمّ نقلهما إلى منطقة الأمن بالعوينة، وبعد ثلاثة أيّام أُطلق سراح أنور في حين بقي أشرف رهن الإيقاف إلى حدّ هذا التّاريخ.. تعرّض أنور في يوم إيقافه الأوّل إلى الضّرب والكلام البذيء وذلك أثناء استجوابه عن مكان وجود شقيقه
ويعاني أشرف الموقوف حاليّا بسجن المرناقيّة من إصابة على مستوى ركبته تعرّض لها أثناء فترة الإحتفاظ بالعوينة.
وحسب العائلة فإنّ أشرف لاعلاقة له بالتّهم المنسوبة إليه، وأنّ إيقافه كان بسبب إتّصال شقيقه شمس الدين به في وقت سابق، مع العلم أنّ هذا الأخير مفتّش عنه في إطار قضيّة لها علاقة بقانون مكافحة الإرهاب.

شجار مع أعوان أمن راحة طبية لأنيس الرزقي مدتها 30 يوما

بتاريخ 3 جويلية 2015  كان أنيس يمتطي سيّارة أجرة عائدا من عمله إلى محلّ سكناه، وعلى مستوى محطّة سليمان الكاهية بمنّوبة تمّ توقيف السيارة من قبل عون أمن،وبسبب سوء تفاهم بسيط طلب العون من أنيس النزول فاستجاب لذلك إلاّ أنّه فوجئ بالإعتداء عليه بالعنف على مستوى الوجه والرّقبة وذلك بعد حضور عونين آخرين، كما أصيب الضّحيّة بكسر  على مستوى يده اليسرى.
ونقل أنيس إلى منطقة الأمن بمنوبة وهو مقيّد اليدين وألقي أرضا وتعرّض إلى اللّكم والضّغط على الرّقبة بواسطة الركبتين، ثمّ حُرّر بشأنه محضر بحث أمضاه دون أن يطّلع على محتواه، وهو يرجّح أن يكون موضوعه هضم جانب موظّف عمومي بالقول.
ومُنح أنيس راحة طبّية مدّتها ثلاثون يوما من مستشفى شارل نيكول   

المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تكشف معلومات عن تواصل التعذيب

 وحسب المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب فان الضرب الشديد يعد من أكثر أشكال التعذيب الجسدي استخداما، إذ تجتمعُ جلّ شهادات الضحايا على أنّ هذا الشكل – يجنحُ إليه أعوان الشرطة بشكل خاص- يحصل في بعض الأحيان داخل السيارات الأمنية ويتواصل في مراكز الإيقاف، وفي منازل الضحايا أثناء المداهمات أو في بعض الفضاءات العامة، ويخلّف الضرب العشوائي سقوطا بدنيا للضحايا يخلف لهم في بعض الأحيان عاهات عضوية مستديمة..
إن أغلب الشكاوى التي تلقتها المنظمة تتعلق بحالات تعرضت إلى التعذيب أو سوء المعاملة في مراكز الاحتفاظ، وتعد الساعات الأولى للاحتفاظ الأشد خطورة على الموقوفين حيث يجري فيها التعذيب في ظل العديد من الخروقات القانونية والإنسانية، من أهمها عدم تمكين الضحية من محام ومن العرض على الفحص الطبي، وتتجاوز مدة الاحتفاظ 3 أيام وهو ما يوفر أرضية خصبة للانتهاكات، وفي معظم الأحيان لا يتم إعلام العائلات بقرار الاحتفاظ أو بمكانه رغم طول المدة.
من خلال الحالات الآنف ذكرها، تسجل المنظمة تواصل الاعتداءات المسلطة على الأشخاص المحرومين من حريتهم في مراكز الأمن من قبل الأعوان وبعلم الرؤساء في بعض الحالات وذلك بدافع العقاب أو لإجبارهم على الإقرار بجرائم تعتقد الإدارة أنهم ارتكبوها.
واكدت المنظمة انه وفي بعض الحالات تسجل حالات تنكيل غير عادية مثل تقييد اليدين لمدة طويلة أو شل الحركة بغاية تسهيل التعذيب والعنف مشيرة الى أن الأعوان لا يترددون في الاعتداء على الموقوفين أو المشتبه بهم أمام أفراد عائلاتهم أو محاولة إجبار هؤلاء للشهادة ضدهم..

 إرساء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب

ويذكر أن رئيس اللجنة الانتخابية الخاصة بمجلس نواب الشعب بدر الدين عبد الكافي أعلن بداية هذا الاسبوع  أن العمل جار بشكل حثيث من أجل التوصل الى إرساء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب قبل موفى سنة 2015 لتكون تونس بذلك أول بلد عربي يرسي هذه الهيئة والرابع افريقيا.

ردّ وزارة الداخلية

نظرا لخطورة المعلومات الواردة في هذا التحقيق بادرت اخبار الجمهورية بالاتصال بالمكلف بالاعلام بوزارة الداخلية وليد الوقيني الذي اكتفي بالتأكيد على أن وزارة الداخلية ضدّ التعذيب وتعتبره من أبشع أنواع الجرائم، مضيفا أن كل شخص تعرض الى التعذيب داخل مراكز الايقاف مطالب بالالتجاء للقضاء الذي يمثل الفيصل في مثل هذه القضايا ومن شأنه تتبع العون الذي اعتدى على الموقوف قضائيا .

ختاما نذكّر الحكومة التونسية بالتزاماتها الدولية والوطنية في خصوص زجر ممارسة التعذيب وكل أشكال الاهانة ومحاسبة مرتكبيها.

إعداد: سناء الماجري